الموّال في الغناء العربيّ... تاريخه وتطوّره | يسرى جوهريّة عرنيط

من مجلّة "المنبر" [01 تشرين الأوّل 1947] | جرايد

 

المصدر: "المنبر" - مجلّة اتّحاد النوادي الأرثوذكسيّة العربيّة.

موعد النشر: الأربعاء، 01 تشرين الأوّل 1947.

موقع النشر: جرايد.

 

للسيّدة الموسيقيّة يسرى جوهريّة عرنيط

 

إنّ الموالي في تاريخ العرب قد قاموا بقسط وافر في جميع نواحي النهضة الفنّيّة، لا سيّما الموسيقى منها. فموسيقانا بالحقيقة مدينة بصورة عظيمة لهؤلاء الموالي الّذين استطاعوا دمج الموسيقى العربيّة بالموسيقى الأجنبيّة، الفارسيّة والروسيّة، نظرًا لاختلاط دمهم بالتزاوج والمصاهرة مع العرب، هذا التزاوج الّذي أوجد أذواق جديدة.

إن شئت فانظر في كتاب الأغاني، تجد أنّ أكثر مَنْ نبغ من المغنّيات في الحجاز، ثمّ في العراق، خصوصًا في العصر العباسيّ، هنّ من «المولدات في المدينة» ومن «تلاميذهنّ»، ومولّدات المدينة نساء نتجن عن آباء عرب وأمّهات من غير العرب، ولمّا قَوِيَ سلطان البرامكة في عصر هارون الرشید، واشتدتّ شوكتهم، ولعبت الفتن أدوارها الخطيرة، أمر هارون بقتل جعفر والفضل البرمکیّان، وتلا ذلك هلاك البرامكة وتمزيقهم شرّ ممزق.

 

 

ثمّ صدر أمر من هارون الرشيد يحرّم فيه رثاء البرامكة ببيت واحد من الشعر، ويهدّد مَنْ يجسر على رثائهم بأشدّ العقوبات، ولكنّ جارية مخلصة من جواري جعفر، الّتي طواها الحزن على مصابها في مواليها، لم تستطع كبح نفسها الجامحة الّتي برح بها الأسى، فأرادت رثاءه بأيّة طريقة ممكنة، فاهتدت إلى وضع الصيغة الّتي أُطلق عليها اسم "المواليا"، وراعت أن لا يكون في رثائها أيّ مأخذ تواخذ، عليه فلم تنظم الشعر الموزون المقفّى، وكانت هذه أوّل مَنْ قال هذا النوع، فذهبت إلى القصر الّذي عاشت فيه وسيّدها بين جدرانه، وأخذت ترثيه، وها هي ذي الأبيات الّتي أخذت جارية جعفر تنشدها في ذلك القصر الّذي أصبح خرابًا يبابًا:

يــــا دار أيــــن مــــلــــوك الأرض أیــــن الفــــرس     أیــــن الّــــذيــــن حــــمــــوهــــا بــــالــــغــــنــــا والتــــرس

قالت تراهم رمم تــــحــــت الأرض والدرس     سكــــون بعد الفصاحــــة ألسنتهم خــــرس

 

وختمت هذه الأبيات بقولها "يا مواليا يا مواليا".

علم الرشيد بذلك فأمر بإحضار الجارية وأراد معاقبتها على مخالفة أمره فقالت: يا أمير المؤمنين، أنت منعت رثاءهم بالشعر، وهذا ليس بشعر، لأنّه لا يجري على الفصيح. فاقتنع بحجّتها ولم يؤذها، فكان ذكاؤها سببًا في نجاتها.

نستنتج ممّا تقدّم أنّ الموّال قيل لأوّل مرّة في بغداد، وأنّه شطرات تختم بكلمات "مواليا"، غير أنّه في عصرنا هذا أُلغيت كلمة "مواليا"، واستعاض عنها أهل سوريا وفلسطين والعراق بكلمة "يا باي" أو "یا بوي"، والمصريّون بكلمة "يا ليل".

 

 

أغلب معاني المواويل في الشكوى من الحبيب وبعده، والشيء الّذي يجلب النظر في الموّال هي الكلمات الأخيرة في شطره، الّتي تتشابه لفظًا وتختلف معنى، مثال ذلك:

قــــم في دجـى اللــــيــــل تــــرى بــــدر الجــــمــــال طــالــــــع

مــــعــــجــــب بــــتــــيــــهــــه وســــاعــــده في الــــهــــوى طــالــــــع

يــــا مــــدمــــع الحــــبّ خــــذلاك فــــي الــــهــــوى طــالــــــع

واحسب حساب العذول من ضمن اشكالــك

وان زاد بـك الـــــشــــوق في كــــتــــب الـــــغـــــرام طــالــــــع

 

فإنّ كلمات طالع في هذه الأبيات تؤدّي معاني مختلفة، فيها من التورية معانٍ بليغة. وهاك مثلًا آخرًا:

 

بكـــــــلّ مرســــــــــوم أمـــــــــــرني الحـــــــــــبّ ونهانــــــــــي

للحــــبّ لبيـــــت بكـــــــلّ خضـــوع وانـــا هانــــــــــي

ولكن هذا الشوق أضنى الصبر وهانــــــــي

دائما يعــــزّ الوصــــــــال ويــــذلّ مــــــــــــن يهـــــــواه

وكـــــــــم عــــــــــــدل بـــــــــــي خلــــــــيّ البـــــــــال ونهانـــــــــــي

                                                       

يُغنّى الموّال بعد التقاسيم والتواشيح والليالي، وقبل الدور أو القصيدة، ويكون من لحن الوصلة الغنائيّة، وأمّا تلحينه فيُرتجل دون مراعاة الأوزان، بل تُراعى فيه المقامات.

 

 

عَمار: رحلة دائمة تقدّمها فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة لقرّائها، ليقفوا على الحياة الثقافيّة والاجتماعيّة الّتي شهدتها فلسطين قبل نكبة عام 1948، وليكتشفوا تفاصيلها؛ وذلك من خلال الصحف والمجلّات والنشرات الّتي وصلت إلينا من تلك الفترة المطموسة والمسلوبة، والمتوفّرة في مختلف الأرشيفات المتاحة. ستنشر فُسْحَة، وعلى نحو دوريّ، موادّ مختارة من الصحافة الفلسطينيّة قبل النكبة، ولا سيّما الثقافيّة؛ لنذكر، ونشتاق، ونعود.